ووفقا لتقدير كبير الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية، فإن الأضرار التي لحقت بفروع صناعات البناء والصناعة والزراعة، بسبب غياب العمال الفلسطينيين تتجاوز 4 مليارات شيكل (1.2 مليار دولار).
ومع مرور 6 أشهر على الحرب الإسرائيلية على غزة، توسعت دائرة الانتقادات لدى اتحادات المقاولين والنقابات من طرح اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يروج لفكرة الاستغناء عن العمالة الفلسطينية واستقدام العمال الأجانب، بموجب خطة أعدتها الحكومة الإسرائيلية تقضي بالاستغناء عن العمال الفلسطينيين خلال عام 2024، وجلب عمالة أجنبية بديلة من مختلف أنحاء العالم.
وبموجب خطة أحزاب اليمين بالائتلاف الحكومي، تمت صياغة خطة باسم "ضمان الأمن" لإسرائيل لاستقدام عمالة أجنبية، وذلك بمبادرة من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ودعم وزير الاقتصاد، نير بركات، تقضي باستقدام 80 ألف عامل أجنبي من الصين، والهند، وسريلانكا، وتايلند ومولدوفا وتشغيلهم بالأساس بفرعي البناء والزراعة.
ومع فشل الخطة الحكومية ورفض العمال الأجانب القدوم إلى إسرائيل بسبب الحرب والتوترات الأمنية، جددت اتحادات المقاولين لمختلف فروع العمل، دعوتها إلى الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن خطة العمال الأجنبية التي أثبتت فشلها، والسماح للعمال الفلسطينيين حملة التصاريح العودة للعمل خاصة بفرعي البناء والزراعة اللذين يتكبدان خسائر تقدر بنحو مليار دولار أسبوعيا.
ويظهر تحقيق لصحيفة "كلكليست" الاقتصادية أنه بعد 6 أشهر من حظر دخول العمال الفلسطينيين وتجميد تصاريحهم، ومحاولات التوظيف واستقدام العمال الأجنبية، وصل فقط 1100 عامل أجنبي إلى سوق العمل بفرع البناء بإسرائيل، وألغيت اختبارات عمال البناء في أوزبكستان في اليوم الأول، ونادرا ما يصل أي عامل من سريلانكا أو الهند.
يشكّل توقف أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية عن العمل في إسرائيل في أعقاب عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من حرب إسرائيلية مستمرة على غزة، طبقة أخرى من العبء الواقع على كاهل الاقتصاد الإسرائيلي الذي تضرر ولم يتمكن حتى الآن من إيجاد بديل لهؤلاء العمال.
وتسبب التأخير في إعادة العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلي في التراجع بإنتاجية فرع البناء وسوق العقارات، فلا تتعدى إنتاجيته 30%، كما تسبب ذلك بأزمة اقتصادية باتت تهدد قطاعات زراعية وتجارية مختلفة، وكذلك خسائر فادحة لفروع خدمات السياحة الداخلية والمطاعم والمقاهي والحفلات، وهو ما سيترك تداعيات وتأثيرات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي.
وللعمل في إسرائيل أهمية كبيرة، كذلك، للاقتصاد الفلسطيني، وهو يرتكز على العديد من أقسام اتفاقيات أوسلو، التي وضعت إجراءات وقواعد لتشغيل العمال.
وينص بروتوكول باريس، الموقع عام 1994 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، على تقديم المساعدة للاقتصاد الفلسطيني من أجل تعزيز نموه، لكنه عمليا أنشأ اتصالا واعتمادا متبادلا بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي.
واستعرض مدير نقابة "معا" العمالية، أساف أديب، الواقع الاقتصادي للفلسطينيين عقب منعهم العمال داخل الخط الأخضر، قائلا: "بعد مرور 6 أشهر على الحرب على غزة ثبت أن الاقتصاد هو عامل مهم للهدوء وعودة الاستقرار للحياة، فالمنطق الإنساني والاقتصادي يشير إلى أن هناك ضرورة ملحة لعودة العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلي".
وأوضح أديب للجزيرة نت أن تعليق التصاريح لحوالي 150 ألف عامل فلسطيني والخطة الحكومية لاستقدام العمالة الأجنبية، ما هو إلا محاولة انتقام من قبل أحزاب اليمين المتطرف من الفلسطينيين، مشيرا إلى أنه بعد مرور 6 أشهر تأكد بالوقائع والحقائق أن حظر دخول الفلسطينيين كبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة، وعليه تتعالى الأصوات بإسرائيل لتشغيلهم مجددا.
وحتى توجه الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يقول عنه مدير نقابة "معا" العمالية إنه "يدفع نحو عودة العمالة الفلسطينية إلى سوق العمل الإسرائيلي والسماح لكل فلسطيني لا يشكل خطرا على أمن إسرائيل العمل داخل الخط الأخضر، وهو ما يؤكد أنه لا مبرر لعدم السماح للفلسطينيين بالعودة للعمل بالسوق الإسرائيلي".
وأكد النقابي الإسرائيلي أن منع العمال الفلسطينيين من العمل بالسوق الإسرائيلي، يخدم أجندة اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، الذي يدفع نحو المزيد من الإجراءات للقضاء على السلطة الفلسطينية وضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وكذلك تقويض الاقتصاد الفلسطيني وحصاره، والتضييق على البنوك الفلسطينية ومنع التعاملات المصرفية الإسرائيلية معها.
وعلى خلفية أزمة فرع البناء والعقارات بإسرائيل، ونقص الأيدي العاملة في ظل فشل مخطط الحكومة لاستقدام العمالة الأجنبية، دعت دراسة جديدة لبنك إسرائيل إلى عودة العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلي وفرع البناء، وذلك لتفادي الخسائر وتجنب انهياره.
مع اندلاع الحرب على غزة، تقول مراسلة شؤون البناء والعقارات في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، هيلا صهيون: "توقفت جميع العمالة الفلسطينية في إسرائيل، التي شكلت نحو نصف العاملين في قطاعي البناء والزراعة، وعملت الحكومة على جلب العمال الأجانب، حتى الآن بنجاح جزئي، وترفض مقترحات لتجديد العمالة الفلسطينية".
وأوضحت أن العمال الفلسطينيين متاحون للعمل طويل الأمد والموسمي في إسرائيل، لكن توفرهم محدود خلال الأزمات الأمنية الخطيرة، لذلك، من المهم على المدى البعيد، استقدام عدد كاف من العمال الأجانب في فروع وصناعات محددة بالسوق الإسرائيلي، وفق صهيون.
وأشارت إلى أن انخفاض العمالة الفلسطينية في إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة، يشكل التجربة الثالثة لمثل هذا الانخفاض لفترة طويلة بسبب الأحداث الأمنية والعلميات العسكرية، لافتة إلى أن العمالة الفلسطينية انخفضت في أعقاب الانتفاضة الأولى، وفي بداية الانتفاضة الثانية، حيث اتسع تشغيل العمال الأجانب.
ولا تقتصر أزمة العمالة على فرع البناء بإسرائيل، وفق قول الصحفية الإسرائيلية للجزيرة نت "فقبل الحرب كان يعمل في الاقتصاد الإسرائيلي نحو 310 آلاف عامل غير إسرائيلي، نصفهم تقريبا من الفلسطينيين ونحو نصفهم من الأجانب".
وأوضحت أنه مع اندلاع الحرب، منعت الأغلبية المطلقة من العمال الفلسطينيين من العمل في إسرائيل، ما تسبب بإغلاق أكثر من 50% من ورش البناء، كما غادر الغالبية الساحقة من العمال الأجانب البلاد، وخاصة في فرعي البناء والزراعة.
وتعتقد أن الاقتصاد الإسرائيلي تضرر بشكل قوي وخسر شهريا مليارات الشواكل، جراء منع دخول العمال الفلسطينيين للعمل في سوق العمل الإسرائيلي، كما أن هناك 250 ألف عامل إسرائيلي يعملون في مختلف المجالات والفروع وخاصة الزراعية والبناء، والخدمات والسياحة الداخلية، تضرروا أيضا جراء تباطؤ عجلة الاقتصاد الإسرائيلي.