وبالرغم من أن "حلاوة النص" المعروفة أيضا بـ"الجزرية"، ارتبط اسمها بالجزر، فإنها تصنع في الواقع من اليقطين، ويرجع سبب تسميتها إلى لونها البرتقالي المشابه للون الجزر. يقبل عليها أبناء صيدا في النصف الثاني من شهر شعبان. ويشترونها ويتناولونها في منازلهم، كما يقدمونها ضيافة للزوار أو هدية لأحبائهم.
وقد اشتهرت مدينة صيدا بصناعة "حلاوة النص" منذ أكثر من 8 عقود، إذ أصبحت هذه الحلوى جزءا لا يتجزأ من تراثها الغني. بل "ماركة مسجلة" باسم المدينة، إذ احترفتها بعض العائلات الصيداوية، ومنها عائلة الأرناؤوط التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.
في أحد أحياء صيدا القديمة، ينهمك المعلم عمر أرناؤوط الذي ورث المهنة الممتعة والمتعبة معا، مع شقيقه خالد بعدما تعلماها من والدهم الحاج محمود "أبو مصعب" الملقب "الحنون"، ويقول للجزيرة نت إن "صناعة هذه الحلاوة تتطلب خبرة وجهدا كبيرين".
ويضيف أرناؤوط "تبدأ عملية التحضير لصنع "حلاوة النص" أو "الجزرية" مع قطاف "اليقطين" وهي قرعة دائرية الشكل كبيرة في شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار من كل عام، ثم تخزن إلى الموعد المحدد، وهي قادرة على الصمود في وجه التلف ما لا يقل عن 8 أشهر بسبب قشرتها السميكة.
وإعداد هذه الحلاوة يتطلب مراحل متعددة، إذ يبدأ بتقشير اليقطين باستخدام منشار خاص يتكون من سكين كبيرة ذات أسنان حادة، والتي تربط بخشبة لتوفير التحكم اللازم. بعد ذلك، يقطع ويبرش، وتكون صفوة "ماء الكلس" قد تم تحضيرها وتصفيتها بعد خلطها بالماء لمدة 5 أيام متتالية.
ويضيف أرناؤوط، ثم ينقع "اليقطين" لمدة تتراوح بين 2ـ4 ساعات وفق نوعيته، إذا كان قاسيا فالوقت الأقصر، وإذا كانت طريا يحتاج إلى الأطول حتى يشتد ويقسو ويعطي طعما لذيذا، ثم يغسل 7 مرات بالمياه الحلوة حتى لا "يسود". وأخيرا، يتم طهي اليقطين في حلّة نحاسية فوق نار قوية، بمزيج من القطر وماء الزهر، لتحقيق النكهة والقوام المثاليين.
ويتباهى أرناؤوط بصناعة هذه الحلوى التي تحتاج إلى خبرة وتفانٍ، ويضيف للجزيرة نت، أن الإقبال على شراء هذه الحلوى يبلغ ذروته في النصف من شعبان، تمسكا بالسنة النبوية والعادات والتقاليد، إذ يحرص كثير من أبناء المدينة على صيام نهاره، وتلاوة سيرة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم.
خلال الأزمة المعيشية والاقتصادية والانهيار المالي الذي شهده لبنان منذ 5 سنوات، ارتفعت أسعار كل المنتجات، ومنها مواد هذه الحلوى كما غيرها من الحلويات، ويبلغ سعر الكيلو الواحد اليوم 700 ألف ليرة لبنانية (7.83 دولارات)، وإذا أضيف الجوز فوقها يصل سعرها إلى 900 ألف ليرة لبنانية (10.07 دولارات).
وعلى الرغم من الأزمة والحرب الإسرائيلية على غزة والجنوب اللبناني وحالة الترقب والقلق، فإن الإقبال على شرائها لم يتراجع، ويقول أرناؤوط "يظل الصيداويون مخلصين لتقاليدهم، إذ يتبنون إستراتيجية تتمثل في شراء الحلويات بكميات صغيرة بدلا من الكميات الكبيرة".
ويضيف أن "شراء كيلو واحد من هذه الحلويات يحمل معه رمزية خاصة تنبعث من شهر شعبان قبل الدخول في شهر رمضان المبارك". ويؤكد "ويعكس هذا الأسلوب روح المرونة والابتكار في مواجهة التحديات الاقتصادية، مما يبرز إرادة الصيداويين في الحفاظ على تقاليدهم وثقافتهم، مهما كانت التحديات من حولهم".
وتشتهر مدينة صيدا بصناعة الحلويات على اختلافها، وتبلغ ذروتها في رمضان، حيث يتم إعداد حلويات متنوعة مثل: المدلوقة وحلاوة الجبن والعثملية، والشعبيات والقطايف، وكل ذلك يتناغم مع المشروبات من: التمر الهندي، والعرق سوس، والجلاب، وقمر الدين.